اليوم العالمي للمرأة
اليوم العالمي للمرأة..(الحياة في مساحات ضيقة)....(8 مارس)
هل هذا اليوم هو عنوان لتلك المساحة الضيقة التي يراد للمرأة أن تعيش في حدودها. .أم هو الآن يوم وغدا الحياة كلها. ...لست أدري
الجميع حضر حفل التخرج ..المهم والدتها. .هذا ما كانت تريده الدكتورة ابتهال ..فها هي الآن تحقق ما كنت تطمح إليه. .شهادة الدكتوراه. .شعرت وهي تسمع إسمها ..ينادى عليها للسلام على مدير الجامعة وإستلام شهادتها بإن الدنيا ما عادت تسعها لشدة فرحها وسرورها. .
كل واحد من اخوانها عاد الى بيته..وعادت هي مع أمها الى البيت..أخذت تقبل رأس أمها وهي تقول لها ...كل هذا من دعائك يا امي. .ربي يحفظك ويسلمك.
سكتت أمها. ثم تمتعت بكلمات سمعتها وكانت كافيه لتمسح ما جمعته من فرح ..وتشطب كل ما تراكم في داخلها من سعادة. .
(عريس في البيت أفضل من ألف شهادة على الحيط)....
ابتهال كانت تدرك أن عليها أن تواجه هكذا ثقافة. .المساحات ضيقة. .واﻷسوار عالية جدا...
المجتمع يريدها أن تكون جارية في بلاط الرجل. .والدين يحاصرها بين العار والعورة. .والثقافة تصورها لعنة تجلب المأساة على أهلها. . (لما قالولي دي بنية مالت الحيطة علي)...ولم تسلم المرأة من ألاعيب التجار فشنقوها على حيطان العمارات لتروج لهم سلعهم ومنتجات مصانعهم. .هو إغتصاب لها بأبشع الطرق. .ينهشون كرامتها للفت نظرنا نحن المغفلين معاشر الرجال. ..
الكل يريد أن يغتصبها. .حتى من يريد أن يحميها من اﻷغتصاب ..فإنه يحميها من اﻷغتصاب باﻷغتصاب. .هؤلاء يطالبون بأجراء كشف العذرية على البنات. .فلابد لك أيتها المرأة أن تتعري تماما ليتأكد الرجل من طهارتك. .وإلا عليك أن تتقبلي لعنات المجتمع ويضيع عمرك وأنت تنتظري ظل رجل. .أي رجل ..(ظل راجل ولا ظل حيطة)...
هناك مجتمعات ما زالت تبدي ترددا وربما ممانعة في الاعتراف بحقوق المرأة وتستند في رفضها وممانعتها إلى ثقافة ذكورية صلبة وراسخة في أذهان الناس. والثقافة الذكورية هنا لا تعني أبدا أنها ثقافة تختص بالرجال فقط, فهي ثقافة المجتمع بأكمله ويشترك في تبنيها الرجال والنساء معا ولهذا نجد عند المجتمعات التي تطغى عندها الثقافة الذكورية أن هناك من النساء وهم كثر ممن يرفضن أصلا فكرة المطالبة بحقوقهن, بل أنهن يستنكرن على الرجال المطالبة بهذه الحقوق ويعلنون وبشكل واضح وصريح أنهن مع بقاء الوضع على حاله, فهن لا يستحقون من الحقوق أكثر مما يتفضل عليهن به معاشر الرجال. فمشكلة حقوق المرأة في أي مجتمع هي مشكلة ثقافية في الدرجة الأولى, والثقافة لا تكون حية إلا عندما تكون ثقافة نقدية, ثقافة تمارس النقد أولا على ذاتها وعلى ما تحمله هي نفسها من رؤى وما تؤمن به من قيم وما تأخذ به من قناعات, وأن الأساس في عملية النقد هو عدم الانشغال بالمظهر ونسيان المصدر. فمن المهم جدا أن نتتبع هذه الرؤى وهذه القيم والقناعات التي أعطت الثقافة ذكوريتها إلى حيث مصدرها وبداياتها. ولا يمكن للمراة أن تستعيد حقوقها من غير أن تجفف المنابع والمصادر التي تغذي ثقافة المجتمع بهذه الصبغة الذكورية. فتخليص الثقافة من ذكوريتها أو على الأقل التخفيف منها هو ما يجب العمل عليه لأن ثقافة المجتمع إن تركت على ذكوريتها ولم يلتفت اليها ستكون لها الغلبة في النهاية حتى مع وجود قوانين وأنظمة تناصر المراة وحقوقها, لا بل إن الثقافة الذكورية إن بقيت وسمح لها بالبقاء كما هي عليه ستقوى وتكون قادرة ليس فقط على تعطيل القوانين والأنظمة التي تعطي المرأة حقوقها بل إن أثرها يمتد إلى عملية صياغة هذه القوانين حتى تأتي وهي محملة بالنفس الذكوري وعندها تجد المرأة نفسها مظلومة في حقوقها ولكن هذه المرة بغطاء قانوني وشرعي
(الشاعر طاهر البرنبالي)
يا كل قلب اتظلم
بكرة السحابة تروح
تبقى الليالى نهار
ويدبل الصبار
ونداوي كل جروح
نار المواجع نار
واللي يدوق المرار
لازم يكون مجروح
لسه اﻷيدين خايفين
بس العيون شايفين
باب الأمل مفتوح
كيف تستمد الثقافة ذكوريتها؟.. إن الجواب على هذا السؤال يتطلب منا مناقشة أربعة مصادر من جملة مصادر متعددة ومتنوعة, هذه المصادر الأربعة وباختصار هي:
1- القراءة الدينية (الموروث الديني) التي تنتقص من مكانة المرأة وإنسانيتها: لا أحد يستطيع أن ينكر أننا نجلس على ثقافة دينية وليس هو الدين المسؤول عنها تحط من قيمة المرأة ليس فقط مقابل الرجل بل إنها في بعض الأحيان تعطيها أقل رتبة حتى من الحيوان, لأنها عندما تنظر إلى المرأة على أنها مخلوق فتنة وأنها كائن ألعوبة بيد الشيطان أو جند من جنوده فهي بالتالي مخلوق مخرب لحياة الإنسان الذي هو الرجل. وعندما يقال للرجل إنه عليك ألا تستشير المرأة بالمطلق وإذا اضطررت إلى ذلك فخالف رأيها لأن في مخالفتها بركة لك. وعندما يقال للمراة إنك قد خلقت من فاضل طينة الرجل أو من ضلعه الأعوج فإنك بالتالي تعتبرين مخلوقا ناقصا في أصل خلقه وأعوج في نشأته وطبيعته وبالتالي فإن سيادة الرجل على المرأة ليس من باب التعدي على حقوقها بقدر ما هو استجابة وتوافقا مع المرتبة والمكانة الإنسانية لكل منهما.
2- العادات والتقاليد الاجتماعية: علينا ألا نستهين بدور العادات والتقاليد الاجتماعية في تعزيز وحماية الثقافة الذكورية في المجتمع. فالمجتمع المنغلق على نفسه إما بدواعي الخوف على هويته أو ثقافته أو خصوصيته يحتمي بقوة بالعادات والتقاليد الاجتماعية في تبرير عدم تواصله مع الآخرين, وهذا ما يقويها ويجعلها مستحكمة أكثر. فبعض المجتمعات تنظر إلى التقاليد والأعراف الاجتماعية التي تحط من قيمة المرأة على أنها جزء من ثقافتها وشخصيتها الاجتماعية التي تعطيها الخصوصية في مقابل المجتمعات الأخرى وهنا تكمن المشكلة.
3- البعد التاريخي: التاريخ والذي هو مثقل بالحضور الذكوري. .يتحمل مسوؤلية كبيرة في ظلم المرأة لأنه منحاز كثيراً للرجل. .والمجتمع الذي يقدس الماضي هو بكل تأكيد يكون مجتمعا مناصرا للثقافة الذكورية. ..
4- البعد العلمي: عندما يضعف الإطار العلمي للثقافة فإن الكثير من الرؤى والقناعات الثقافية تبنى على الأوهام والخرافات وليس على الحقائق. فهناك اعتقاد بأن المرأة أقل ذكاء من الرجل وهذا بالتالي يحط من قيمتها ويحرمها من الكثير من حقوقها, ولكن: هل هناك أساس علمي لهذا الاعتقاد؟ حتى الاتهام بأن عاطفية المرأة تجعلها أكثر ضعفا من الرجل أصبح مردود عليه علميا بعد أن أثبتت الدراسات العلمية الحديثة أن الإنسان بحاجة إلى الذكاء العاطفي في حياته أكثر مما هو بحاجة إلى الذكاء العقلي.
أخيرا...كلما استطاع المجتمع أن يخلص ثقافته من هذا الانحياز الذكوري وأن يعيد لها إنسانيتها ستكون هناك خطوات أكبر وأكثر رسوخا في تعزيز حقوق المرأة...
اترك تعليقك