فاقدوا الإحساس

للكاتب السيد وليد الهاشم في العام ١٩٨٧ م كنت اشاهد أحد البرامج الوثائقية الممتعة حول شاب يكبرني وقتها ببضع أعوام مصاب بحالة غريبة من فقدان الحس فكان يضع يده على الدبوس و وعاء الثلج دون أن يشعر بشيء . بالنسبة لطفل بمثل عمري وقتها كانت حالة تثير الحماس و أحلام اليقضة بأن أمتلك صفة من صفات سوبرمان فلا أشعر بشيء من الألم ، و لكن التتابع للبرنامج غير تلك الحماسة و أجبرني على تحويل مسار التفكير عندما تحدث الطبيب الذي يبحث حالة الشاب عن قلقه إزاء خطورة المرض فمن الممكن أن تحترق يده بالكامل و لا يشعر بشيء بل سيستمتع برائحة الشواء و لن يدرك ليسحبها من مصدر الحرارة . أو ربما سيقطعها بسكين كما يقطع جزرة أو حبة فاكهة ، و أردف الطبيب قائلاً إن شعورنا بالألم جزئ لا ينفصل عن بقائنا في الحياة فالألم وضيفة حيوية في الجسم لا غنى عنها . لم أتخيل أن دماغي هذة الأيام يلح بتلك الذكرى علي بعد انقضاء قرابة الثلاثة عقود !!! ، فما أشاهده من اللا ألم بمجتمعنا جعلني أشك بخلل في وضيفة الشعور بالألم - إجتماعياً - بين المقيمين حولي . فلا تحركهم شلال المشاكل الكبرى و لا يناقشونها لأنهم لا يتألمون . من أرقام لا تقبل الجدل إلا لمتعامي أو معتوه تكشف أننا نغوص في وحل لا ندري كيف ستخوننا الأرض تحته حول مشاكل لا تحصى . قبل قرابة العامين وجدت كتاباً مترجما تحت عنوان ( أكبر 50 مشكلة تواجه العالم ) لأجد نفسي أما مشاكل كبرى تستند لإحصائيات عالمية تم جمعها و تبويبها حسب حجمها و درجة أهميتها . و بغض النظر عن وطننا استثنيت ما لا يد لنا فيه كمجتمع لأتفرغ بمقارنة ما يعتبر على الأقل مشكلة محلية فوجدت الآتي : ١- الانفجار السكاني : و التي تخبر بدرجة عالية من الانذار فمجتمعنا يشكل ٦٦٪‏ منه دون سن الثلاثين لتكون هذة المشكلة مظلة لمشاكل كبرى متفرعة تحتها اذ لا توجد بنية تحتية لخدمة هذا الكم من حديثي السن خصوصاً من هم دون العشرين لتجعلهم يشعرون بالامتنان للمجتمع اضافة لكون هذا العدد لا تستطيع الدولة بسهولة ملاحقة ما يحتاجه من خدمات كاحداث مدارس و جامعات و توفير يد عاملة تقدم له تلك الخدمات بدرجة احتراف كافية في مجالات التعليم و الصحة و الترفيه و غرس روح الوطنية ٢- مشكلة المياه الصالحة للشرب و الاستخدام البشري . ٣- مشكلة الاسكان . ٤- مشكلة البطالة و خلق فرص العمل . ٥- مشكلة الامراض الوراثية و مستوى التعقيد كماً و كيفاً بما يفوق قدرات ليست مستشفياتنا فقط بل مستشفيات عالمية فعدد الحالات النادرة لدينا تفوق نظيرها في بعض الامراض نسبة لباقي دول العالم من عشر أضعاف الى مائة ضعف ٦- المواصلات العامة و الطرق و حجم المخاطرة المتضاعف خلال السنوات القليلة الماضية و اللذي يتوقع له الاستمرار في التزايد خلال السنوات القادمة . ٧- العمالة الوافدة و ما يصاحبها من مشاكل أمنية و اقتصادية فكم شكل رخص تلك العمالة من اغراء للانتهاز على المدى القصير لتشكل بلداننا ورشة تدريب مجانية بالإضافة للغش التجاري الفضيع و سوء الاداء . قد تختلف معي أو تتفق حول ما ذكرت على عجالة من أمثلة لمشاكل كبرى تواجهنا ، و قد تغير ترتيبها بذكاء يبهرني ، و لكن لو نظرنا للمشكلة الأكثر فتكاً و هي عدم الاحساس لوجدنا لها نصيباً أساسياً في جميع ما ذكر من مشاكل ، و لوجدنا أنها سبب وجود البعض منها أو سبب استمراره و لا أقل سبب حدته و قوته . وليد الهاشم