سيد المحبة.... نقطة فارقة في تاريخنا
سيد المحبة نقطة فارقة في تاريخنا ..
تاريخنا هو شخصياتنا التي تتبلور من خلاله .. فإذا فقدنا جزء من تاريخنا نكن حتما قد خسرنا جزء من شخصيتنا التي قلما نستطيع أن نسدّ الثغرة أو الفجوة التي تكونت نتيجة لذلك.
ففقدنا اليوم جليل .. ليس من باب العواطف وإن كان يستحقها وإنما من باب ماكان يمثله هذا الرجل من تاريخ لأمته .. فسيد المحبة تاريخنا .. تاريخ أمتنا .. تاريخ هذه المنطقة .. وهويتها منذ ثمانين عاما .. ففقدنا إياه فقد لتأريخ في رجل .. فهذا السيد العظيم يحمل في جعبته .. تاريخ الأحساء و أهلها .. تاريخ الحوزة وعلمائها .. ماذا كانت تمثل تلك الحقبة من تاريخنا .. ومن هم علماؤنا .. وما الدافع الذي حمل السيد على ترك الأهل والوطن والمال وهو المدلل السعيد على الارتحال إلى النجف الأشرف طلبا للعلم .. ويمثل السيد في حقبة أخرى تاريخ الحوزة في النجف الأشرف حيث كان من أوائل الأحسائيين الذين هاجروا طلبا للعلم ليصبح بعد ذلك راعيا للطلبة الخليجيين هناك .. فعاصر الحقبة الأولى للسيد محسن الحكيم .. ثم كان من المقربين من السيد الخوئي رحمة الله عليه .. وعانى تلك الفترة العصيبة بكل أحداثها قبيل انتقال السيد الإمام قدس الله سره إلى قم المقدسة .. إذ كان حاضرا لهما وكيلا عنهما .. وفي جعبته الكثير.. الكثير من أحداث تلك الفترة .. والسيد العزيز يمثل تاريخ ماعانى منه العلماء مع السيد الشهيد السعيد وكيف مرت الآلام والمصائب على آل الصدر .. وهو كان من الثلاثة الذين رأوا السيد الشهيد في بيته وهو تحت الإقامة الجبرية وكان له دور في حفظ الحوزة الأحسائية من جبروت صدام .. والسعيد الفقيد يمثل تاريخ كل علماء الخليج الذين أجبرهم بطش صدام على ترك بلاد الرافدين والرجوع إلى أوطانهم .. ومن هنا يبدأ السيد يؤرخ لنا .. أوضاع المنطقة بعد استشهاد السيد الصدر في العراق وكيف انعكاساتها على المنطقة .. وتاريخ نشوء الحوزة هنا .. وارتحل إلى قطر ليبدأ مشواره الكريم في وضع لبنة الدعوة هناك وعلى يديه الكريمتين برز علماء قطر اليوم .. وبقي طيلة حياته صامدا في وسط الخيمة .. عمودها الذي تستند إليه في أعاصيرها .. ليتوج بعد فقده بسيد المحبة .. ولأجدني أنحني شاكرة لكل من ساهم في اختيار هذا اللقب .
حقا أيها الحبيب أنك سيد المحبة .. سوف أقف قليلا معكن في إستجلاء بعض الصفات التي أراها سببا في تتويجه بهذا اللقب .. ليس من باب التوضيح والعواطف ولكن من باب أهمية هذه الصفات في تكامل إنسانيتنا المنشودة .
سأقف أمام أربع صفات جلية في شخصية سيد المحبة قلما نجدها تجتمع في شخصية ما بهذا التآلف ..
أولا: سؤال لابد من طرحه .. مالذي جعله يستوطن القلوب .. ويتربع على عرش المحبة وبشهادة الجميع .. ماجالسه شخص ساعة إلا وأحبه الدهر كله .. الجميع سيجيب ولا أتوقع انه سيختلف على الإجابة اثنان .. لسانه العذب وبيانه الذي يقطر حبا وعسلا .. عندما ركزت في هذه النقطة وتابعت في ذهني ماكان يفعله عندما كنت أزور معه الأهل والأصحاب .. وجدت أن هناك سمة هامة جدا اليوم تركز عليها الدراسات النفسية والإنسانية وهي التركيز على الإيجابيات وتجاهل السلبيات وتعتبر هذه من أحدث نظريات تعديل السلوك الحديثة ومن جانب آخر تذكر الكتب السلوكية أن الوصفة السحرية لجذب الآخرين هي في الثلاثي ( قبول – تقبل – تقدير ) فالإنسان يرتاح لمن يقبله ويقدر مافيه من إيجابيات وهذه كانت السر في شخصية الوالد السحرية .. ماألتقى شخص أو سلّم عليه شخص كبير أم صغير .. إمرأة أو رجل .. إلا وأغدق عليه من كلمات الغزل وأمطره بكل حسناته بحيث يستشعر أنه المقرب المدلل عنده .. مازار بيت إلا وتغزل بالزوجة أمام زوجها فانتعشت وشعرت بالفخر وغبطها على زوجها بكل محاسنه .. فيشعر بالزهو والفرح .. وهذا ماجعله بالضبط مقربا ومحبوبا من كل المراجع ولم يحسب لمرجع دون آخر بل كان يمدح كل واحد بما فيه .. وماكنا نستغربه هو نباهته لكل شخص بصفاته .. كيف عرف بهذه الصفات وكيف إستطاع أن يوظفها هذا التوظيف الذي جعله سيد القلوب والذي نعجز اليوم ونحن ندخل مئات الدورات ونسبر مئات الكتب لاكتساب هذه الصفة .. الصفة التي جعلتنا لم نره إلا مادحا ومحبا للآخرين قد تقودنا إلى التفكير إنه محابي .. مجامل لدرجة أنه ما طلب حاجة إلا وأجيبت فلاأحد يقاوم حلاوة لسانه ولكنه في مقابل هذه لاتأخذه في الحق لومة لائم .. لم يتظاهر ولم ينافق .. ويشهد الله أننا طيلة حياته لم نسمعه يتكلم على شخص أو أنه متضايق من أحد .. بل اعتدنا عليه إذا ضايقه أمر بادر وقالها في وجه ولم يخش يوما لمقابله أن يكرهه أو يعاديه وقد عبر عنها شاعرنا الفاضل باسم العيثان خير تعبير حين قال ..
حتـى المناويـك لـو تغـضـب iiعلـيـه يـكـسـر اگلـيـبـك عـلـيـه انـصـافـك
ثانيا : الصفتان التي قلما نجدها مجتمعة الهيبة والوجاهة من جهة والتواضع في جهة
أخرى .. حيث كنا دوما نتمازح معه ونقول له أنك مدلل منذ ولادتك وحتى مماتك .. وكما يقال ولد وفي فمه ملعقة من ذهب .. عاش طفولة مدللة .. ولكن لم تجعل منه شخصية متراخية .. بل نجده على العكس .. خلقت فيه الوجاهة والهيبة .. مادخل مجلسا إلا وكان هو ملك المكان .. حاجاته مجابة .. الكل يسارع في خدمته .. فهيبته تتسارع قبله لتيسير كل أموره .. والكل يعرف عنه هذا .. وما انبرى لمشكلة إلا وحلها .. ولا أُخذ لمعضلة إلا وتيسرت على يديه وبلسانه اللبق .. وهذه الهيبة هي التي هيأته لتصدر الأمور في المنطقة .. فماحدثت مشكلة بين عالم ومجتمع إلا كان السيد الوالد لها .. ولا أشكل أمر على الحوزة إلا وكان المتصدر لحلها .. هذه بالإضافة لحل المشكلات الاجتماعية والنزاعات القبلية .. فالمنطقة تشهد أن السيد لم يحسب يوما فقط لسادة العبد المحسن .. بل كان ابنا بارا للعلي والغافلي والشخص والطريفي .. فالكل يحسب له ولمكانته حساب وفي المعتاد في حياتنا أن هذا الصنف من الناس يكون دوما في برجه العاجي كما يقولون ولكنه كان مصداق للحديث ((من تواضع لله رفعه )) كلما ازداد رفعة .. ازداد تواضعا .. وقد ملك القلوب بتواضعه للكبير والصغير .. للفقير والغني .. للطفل والعاجز .. الناس عنده سواء .. لم نجده يوما يزور صديقا له معروف ويترك الضعيف الفقير دون زيارة .. بل لم نره يوما يرفض دعوة فقير .. أوعائلة غير معروفة .. لم نجدها يوما في نفسه .. وهذه نقطة هامة في النفسية .. فجميع أمراض المجتمع .. بل وأمراض الحوزات هي من هذا الدبيب النفسي.. الحسد والكبر .. فهذا العالم لايزر ذاك .. ومسجد هذا لايصلي فيه العالم الآخر .. وهكذا .. والسيد علمنا منذ الصغر كيف ننفتح على الجميع .. وندعم الجميع مادام الهدف لله وإن اختلفت الوسائل .. فلم نجده يوما يفضل تيار دون آخر .. ولايدعم عالم على حساب آخر .. بل هو داعم للجميع مادامهم في سبيل الله .. لم يجد ضيرا يوما في تقديم عالم آخر عليه ليصلي خلفه .. شهدته بنفسي كيف يزور في الدمام جميع المشايخ الصغار وهم يعتبرون كأبناءه وتلامذته .. يزورهم واحد ا واحدا وكنا نقول له الواجب هم يأتون لزيارتك فأنت أستاذهم .. فيسارع لعيادتهم ولمساندتهم .. ولدعم كل طالب علم معنويا .. في قطر يصلي في البيت ظهرا ليترك المجال لشيخ مبتدئ أن يصلي مكانه حيث لامسجد له .. ويزوره طالب مبتدئ فيقدمه للصلاة مكانه .. يزرع الثقة في نفوسهم .. ويدعم الخير في قلوبهم .
لم يقل يوما هذا أنا متفضل عليه ولم يزرني .. وهذا الطالب مثل أبنائي فكيف أقدمه علي .. بتواضعه ملك الجميع ..وارتفع بنفسيته فوق سفاسف الأمور وتوافه الصفات
وما زرعه طيلة حياته حصده عند وفاته فاستحق أن يكون حقا سيد المحبة .
شاكرة في نهاية المطاف كل المشاركين والمعزين ولايحق لي ان اشكركم فهو الابن البار لكم جميعا وحبنا وتكريمنا لرموزنا لهو دليل وعينا ووعي هذه الامور والحمد الله رب العالمين .
منى الصالح
اترك تعليقك