الانتقام على الطريقة اليابانية

استقبلت اليابان في السادس من أغسطس سنة ١٩٤٥ ميلادية أول قنبلة نووية في تاريخ البشرية و التي أُلقيت على مدينة هيروشيما لتتركها في دمار شامل مع عدد وفيات فاق المائة ألف في دقائق معدودة. و خلال أقل من أسبوع أُلقيت القنبلة النووية الثانية على مدينة ناجازاكي مخلفة دماراً لا يقل عن سابقتها. بعد أقل من شهر أعلنت اليابان استسلامها و رفعت الراية البيضاء معلنةً بذلك انتهاء الحرب العالمية الثانية و التي راح ضحيتها الكثير من الأبرياء. نعم استسلمت اليابان لكن الشعب الياباني كان له رأيٌ آخر. قرّر اليابانيون الانتقام مما حلّ عليهم من دمار و لكن على طريقتهم الخاصّة. انتقام الشعب الياباني لن تجد له عزيزي القارئ اي مُرادف في معاجم اللغة أو كتب التاريخ. انه انتقام بنكهة السوشي التي لها طعمها الخاص دون إضافات. 


يا تُرى ما هي نكهات الانتقام التي تحلّى بها اليابانيون و جعلت غيرهم في حيرة من أمرهم. حين قرر الشعب الانتقام بدأ بهدوء و روّية بإعادة إعمار ما خلّفته الحرب من دمار و خراب. بإصرار و مثابرة طويلة النفس استطاعوا أن يُعيدوا دولتهم إلى مصافّ الدول المتقدمة في أقل من خمسين سنة و هذا وقت قصير جداً على مقياس تطور الدُّوَل و الحضارات مع العلم أن اليابان تفتقر الى الموارد الطبيعية المهمة للصناعة. و مما يميز هذا النوع من الانتقام أنه خلى من أي نوع من أنواع الحقد و الكراهية لشعوب العالم التي قد كان لها دور في تدمير البلد في ما مضى. قصّة أخرى حدثت قريباً في وقتنا الحاضر تناقلتها وسائل الاعلام المحلية و العالمية للصحفي الياباني الذي قُتِل في العراق غدراً تتعلق بطريقة الانتقام ذاتها حيث أعلن أهل الصحفي المغدور انتقامهم مّمن قتلوه بإنشاء مستشفى في العراق مختص بعلاج الأطفال من مصابي الحرب طبعاً الحكومة اليابانية كان لها دور مساند في هذه المبادرة. 

كم مرة يا تُرى تعرضت لأحداث مشابهة للقنبلة النووية التي كادت أن تُدمر حياتك بالكامل و قرّرت الانتقام بسلبية و كم مرة تظن نفسك انك نجحت و لكنك لم تنل سوى الألم و الحسرة. جرّب أن تنتقم على طريقة اليابانيين نازعاً من قلبك أي غّل أو حقد على الآخرين. إنتقم من خوفك بمواجهته، إنتقم مّمن يُحطموك بتطوير نفسك و الحصول على أعلى الدرجات العلمية، إنتقم من منافسيك بشرف و أخلاق ليجعلوك قُدوةً لهم، إنتقم مّمن يريد لك البقاء على الأرض بالطيران عالياً و التحليق في سماء الإبداع. 

قد لا يُعجِبك طعم السوشي لأنك لم تعتد عليه يوماً لكنك حتماً ستُعجب بطريقة الانتقام اليابانية اذا جربتها و ستجعلها دوماً في قائمة أطباقك المفضلة.

اترك تعليقك

Plain text

  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
صورة التحقق
اعد كتابة الرموز الظاهرة في الصورة أعلاه.

التعليقات

اثنين, 20/11/2017 - 9:48ص رد

الله...الله...فعلا مقال رائع
نعم هذا هو الإنتقام الصحيح...فكل واحد منا في داخله يابان ولكن المشكلة عندما يحطم الإنسان نفسه بنفسه...فأسوء الأحوال عندما يكون الإنسان عدو نفسه...
لك محبتي وشكري على هذا المقال الممتع...

اثنين, 20/11/2017 - 9:41ص رد

مااجمل هذاالانتقام
والاجمل هذه الذوق الراقي لك بوباسم

اثنين, 20/11/2017 - 9:01ص رد

أحسنت يا منصور

مقال جميل وراقي في زمن انتشار الفجور بالخصومة.