(بني أسرائيل. .والتدين البقري)...
(وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)...
هي بقرة. .وكان لها الشرف بإن تكون إسما ﻷطول سورة في القرآن...فهل البقرة أم قوم البقرة (بني إسرائيل) هو الموضوع..وهو المهم الذي كانت تعنيه هذه السورة..البقرة صفراء كانت أم حمراء تبقى هي بقرة. ..ولكن الإنسان هو شغل السماء. .هو مشغول بنفسه وهي مشغولة به..
قصة البقرة لا نفهمها بمعزل عن قصة بني إسرائيل. .
بني إسرائيل الذين قالوا غير الذي قيل لهم...ففسقوا
(فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِّنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) ...
بني إسرائيل الذين كانوا يعثون في الأرض فسادا..
(وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ )..
بني إسرائيل الذين أخذوا باﻷدنى وتركوا ما هو خير لهم...فكانت النتيجة ذلة ومسكنة وغضب من الله...
(قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ )..
وكل أمة تأخذ باﻷدنى وتترك الأخير والأفضل (يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ)...
تستدرج إلى الإعتداء. .فتقتل انبيائها وصلحائها. .
(ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۗ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ)...
بني إسرائيل. .الذين باعوا حريتهم وكرامتهم وعزتهم بأقل الأثمان (وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ)..
بني إسرائيل. .الذين خلطوا الحق بالباطل حتى يتسنى لهم إخفاء الحق (وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ )...
بني إسرائيل. .الذين يتكلمون ويدعون الناس الى الخير والبر ويفعلون عكسه (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ)...
قبل الحديث عن البقرة..في أول القصة...كان الحديث عن خلق الإنسان. .وخوف الملائكة منه. .مخلوق يفسد بجهله ..ويقتل ويسفك الدماء بظلمه. .
(وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ)...
بعد ذلك هبط هذا الإنسان إلى الأرض وهو يحمل معه اول كتاب سماوي ليهتدي به في مسكنه الجديد على الأرض. .
(قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ۖ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ )...
بعد ذلك يفتح الله نافذة في جدار الزمن ليري أهل السماء قبلا وأهل الأرض بعدا المصداق لقوم يفسدون ويقتلون ويعتدون. . (يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ)...
فكان هؤلاء القوم بني إسرائيل (وكل من هو مثلهم فهو بني اسرائل)... .وكان النبي الذي تكفل بهدايتهم هو النبي موسى... وكانت حياة بني إسرائيل خير تجربة لمن جاء بعدهم...
فكان أمام بني إسرائيل طريق واضح. .
وهو. . (مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)...
وهذا (تبيان طريق الهداية) هو فضل إلهي... (فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَكُنتُم مِّنَ الْخَاسِرِينَ)...
هذا هم بني إسرائيل. .وهذه هي ثقافتهم. .الأدنى بدل الأفضل. .إفساد وسفك دماء. .قتل أنبياء. .يأمرون غيرهم بالمعروف وهم لا يفعلونه. .يبدلون ما يقال لهم. ..
فكان لابد من أن تكشف السماء حقيقتهم ﻷنفسهم أولا ولغيرهم ثانياً. ...فكانت البقرة هي أختبارهم. .
كان الطلب هو ذبح بقرة ما..وكان القصد كشف مدى تفاهة ثقافتهم وتدينهم. ..
(وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ۖ )...
كان الطلب صادما لهم. ..هم الذين ذبحوا أنبياء وصلحاء. .وفعلوا الكثير من المنكرات *يأتي موسى ليطلب منهم أن يذبحوا بقرة. .*فما قيمة سفك دم بقرة مقابل سفك دماء أنبياء..ولذلك كان ردهم على موسى. .
(قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ۖ )..نعم بالتأكيد إنك يا موسى تستهزأ بنا. ..وهنا كان الرد الصادم من موسى. .
(قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ)...كان رد موسى يستبطن معنى عميق. .أنا اعرفكم جيدا. .أنا لست جاهلا بكم. .إنما هي البقرة التي ستكشف ما أنتم عليه من سوء. ..
هنا ظن بني إسرائيل. .أن الله غافل عنهم وعن ما فعلوه....
(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ ۚ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)...
فظن بني إسرائيل أنهم بتنطعهم سيخدعون رب موسى. .أنهالت على موسى الأسئلة التي تخلق من الحقيقة البسيطة شبهات وشبهات. .
.... (قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ۚ)
... ( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ۚ)..
(قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ)...
إذا البقرة هي تلك الشخصية التي تقتل الأنبياء وتستشكل بقتل بقرة. ..البقرة هو ذلك المجتمع الذي ينشغل في حراكه الفكري والثقافي للإجابة عن أسئلة تافهة لا قيمة لها في نهضة المجتمع ما لونها.. ما شكلها. .كما هو الحال في مجتمعاتنا عندما تنشغل بأسئلة أبسط ما يقال عنها بأنها هامشية وثانوية. ..مسألة الهلال مثلا. ...التنظير الزائد عن حده في مسائل العبادات. .
البقرة هي كل مجتمع. .يذل نفسه بطلبات دونية. .. (قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَىٰ بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ۚ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُم مَّا سَأَلْتُمْ ۗ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ ۗ ).....وعلى كل مجتمع لا يريد أن يكون بقرة. .إن يفحص ما يريد. ..وأن يختار أهدافه بعناية..فهناك أهداف ترفع وأهداف تهبط بالمجتمع. ..والصعود غير النزول. .
ويكون المجتمع بقرة عندما يكابر. .يرى أخطاء وعيوب غيره ولا يرى أو لا يقر باخطاءه. ..كما هو حالنا اليوم ....نحن أهل الله وغيرنا أهل الشيطان. ....نحن أهل الآخرة وهم عبيد الدنيا. .الأخلاق عندنا والشهوات والرذائل عندهم. .نحن الأرواح وهم الأجساد. .
هذه هي بقرة بني إسرائيل.. فالبقرة باقية والذي يتغير هم بني. ..
ففي عهد موسى كانت البقرة بني إسرائيل. .ولا ندري هل عندنا اليوم بقرة أم بقرات. .
اترك تعليقك