ليلة القدر... ليلة النفوس التي تنشر السلام

*(ليلة القدر .. ليلة النفوس التي تنشد السلام*)
دكتور / هاشم الصالح
ليلة القدر محطة زمنية مباركة نشحن فيها بطاريات نفوسنا بطاقة السلام
*( سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)*
 لنعيش في سلام وننشر السلام، سلام واطمئنان مع نفوسنا، وسلام ومحبة وتواصل حتى مع من يختلف معنا، فالرحمة والبركة تأتي مع السلام وبالسلام ...وترتفع عند حلول الكراهية في مجتمعاتنا، وليس هناك كراهية مشروعة وكراهية غير مشروعة، كما أنه ليس هناك ظلم مباح وآخر محرم، فالإنسان المنزوع من إنسانيته والمجرد من أخلاقه أداة في يد الشيطان حتى ولو كان يعبد الله في الليل والنهار، وبالتالي فما يملكه هذا الإنسان من طاقة هي طاقة شيطانية مدمرة وظيفتها الهدم وليس البناء، فليس هناك ما يحمي إنسانية الإنسان ويحفظ له فطرته من أن يخترقها الشيطان غير الأخلاق الربانية، فهذه الأخلاق هي الأبواب التي تنفتح فيها نفس الإنسان على النور الإلهي الدائم وغير المنقطع، لأن رحمة الله وسعت كل شيء، وكلما أغلق الإنسان بابا من هذه الأبواب فإنه يحرم نفسه من جزء من هذا النور الإلهي المبارك. الإنسان الأفضل خلقا هو الأكثر نورا، وكل خلق سيء يترك خلفه ظلمة في النفس، وعندما تزداد هذه الظلمة ويتسع مداها يتحول هذا الفرد من إنسان إلى لا إنسان، وبهذا التحول فلا غرابة أن تنهار عنده القيم والمبادئ وعندها تعم الفوضى وتنتشر الكراهية ويسود العنف وتنتهك الحقوق. 
 فشهر رمضان، الذي هو كما قال عنه النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - شهر البركة والرحمة والمغفرة، فهو شهر التخرج بشهادة الأخلاق الربانية، فلن ينال الإنسان بركات هذا الشهر ولن يناله نصيب من الرحمة الإلهية والمغفرة الربانية إلا عندما يكون كما قال نبينا - محمد صلى الله عليه وآله وسلم - *فأقبلوا على الله بنيات صادقة وبقلوب طاهرة*، ولن نكون صادقين في نوايانا ولن تطهر قلوبنا إلا عندما تكون نفوسنا عامرة بالأخلاق الربانية. وفي القرب من الله يحصل الإنسان على كل الخير والبركة والرحمة الواسعة وغير المحدودة. فهذا القرب يعني إتاحة الفرصة للنفس للتخلق بأخلاق الله، فلن يكون الإنسان رحيما وهو بعيد عن الله، ولن يكون الإنسان صادقا وهو لا يجتهد أن يكون قريبا من الله، ولن يكون محسنا ومحبا لأخيه الإنسان إلا عندما يكون في طريقه للتقرب من الله، فكل العبادات هي طرق نسلكها للتقرب من الله، 
*( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)*
وعندما لا نجد لها أثرا في أخلاقنا فلنعلم أنها ليست بعبادات صادقة، إنما هي ارتدادات تدفعنا بعيدا عن الله - سبحانه وتعالى. وإذا كانت العبادة الصادقة في ليلة القدر لما فيها من بركة ورحمة إلهية تقربنا من الله - سبحانه وتعالى - بمسافات أكبر بكثير من العبادة في الليالي الأخرى فإن العبادة التي نؤديها في هذه الليلة العظيمة من دون قلوب طاهرة ونيات صادقة ونقية بالأخلاق الربانية فإنها ستبعدنا عن الله - سبحانه وتعالى - كذلك بمسافات كبيرة جدا، فكيف يطلب الإنسان الرحمة من الله وهو لا يرحم عباد الله؟ وكيف يطلب المغفرة ونفسه لا تعرف المسامحة في التعامل مع الناس؟ وكيف يسأل الله أن يحبه وأن يقربه إليه وقلبه مملوء بكل أنواع الكراهية؟ فهذا يكرهه لدينه وذاك يكره لاختلاف مذهبه وآخرين يكرههم لأنهم لهم آراء واجتهادات مغايرة لما عنده، وهؤلاء يكرههم لأنهم من سلالة قوم كانوا على خلاف مع أسلافه الماضين، فهو يكره أكثر بكثير من أن يحب وهو يفرح بالكراهية ويستبشر بها أكثر من المحبة. فهذا الإنسان المشغول بتجميع أنواع الكراهية للآخرين لن يكون من أهل ليلة القدر ولن يكون مستحقا لأن تناله محبة الله في هذه الليلة العظيمة. في هذه الليلة المباركة يتنزل من الله السلام لتتلقاه القلوب الطاهرة فتزداد رحمة بالناس وتزداد حبا للإنسان الآخر كإنسان من غير أن تسمح للكراهية الدينية والمذهبية والفكرية والقبلية والمناطقية والعرقية بأن تتسلل إليها، أنها قلوب ونفوس تتلقى هذا السلام في ليلة السلام لتنشر السلام في هذه الحياة.

اترك تعليقك

Plain text

  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
صورة التحقق
اعد كتابة الرموز الظاهرة في الصورة أعلاه.