كربلاء.. جمال الحسين وقبح يزيد
بقلم السيد الدكتور: هاشم الصالح
كربلاء كانت كلها قمة..الحسين وأهله وأصحابه في قمة. ..ويزيد وأتباعه في القمة الأخرى. ..قمة الحسين كانت قمة العطاء... (إلهي إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى )...كانت قمة الحسين قمة الحرية والكرامة... (لا وَالله ، لا أُعطِيكُم بِيَدي إعطَاءَ الذَّليل ، وَلا أفِرُّ فِرارَ العَبيد .هَيْهَات مِنَّا الذِّلَّة ، يَأبى اللهُ لَنا ذَلكَ وَرَسولُهُ والمؤمِنون) ...كانت عند الحسين قمة الإنسانية والمحبة...يقف الحسين يوم عاشوراء أمام الجيش الأموي فيبكي. ..ما يبكيك يابن رسول الله. .أبكي لأنهم سيدخلون النار بسببي. .كان مع الحسين على القمة علي الأكبر. .
(يا أبتَ، ألَسنا على الحق؟ فقال: «بلى، والذي إليه مَرجِع العباد»
فقال علي الأكبر: «إذاً لا نبالي أوقعنا على الموت أو وقع الموتُ علينا »)...
...كانت قمة الحسين قمة التضحية في سبيل الله... (و الله لو قتلنا و حرقنا ثم أحيينا و قتلنا و يفعل بنا ذلك سبعين مرة ما تركناك فكيف و هي قتلة واحدة و بعدها الجنة)...
كانت عند الحسين قمة الحرية..حرية الحر بن يزيد الرياحي.....
(بخٍ بخٍ ياحر أنت حرّ )....وكأن على قمة الحسين العباس الذي خير بين أن يشتري نفسه ويبيع الحسين فاختار أن يبيع نفسه ويشتري العزة مع الحسين. ..وكانت قمة يزيد عليها عمر بن سعد الذي باع نفسه ليزيد بثمن بخس ..ملك الري...
(وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ۙ أُولَٰئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)...
وكانت إلى جنب الحسين في قمته زينب عقيلة الطالبين. . القوة في الحق..والقبول بقلب مطمئن ما أراد الله لهم...(فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحو ذكرنا، ولا تميت وحينا،)....كانت قمة الحسين همها الإنسان. ..وهمها الاصلاح في احوال المسلمين....
(َإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي)....
بينما كانت قمة يزيد قمة همها السلطان والتسلط على رقاب المسلمين. ..كما حدد منهجها معاوية من قبل...
(" مَا قَاتَلْتُكُمْ لِتُصَلُّوا , وَلَا لِتَصُومُوا , وَلَا لِتَحُجُّوا , وَلَا لِتُزَكُّوا , وَقَدْ أَعْرِفُ أَنَّكُمْ تَفْعَلُونَ ذَلِكَ , وَلَكِنْ إِنَّمَا قَاتَلْتُكُمْ لِأَتَأَمَّرَ عَلَيْكُمْ , وَقَدْ أَعْطَانِي اللَّهُ ذَلِكَ وَأَنْتُمْ لَهُ كَارِهُونَ " .)...
فكربلاء كان كل شيء فيها قمة...قمة العلو والعزة..وقمة الخسة والانحطاط. ..قمة العبودية لله..وقمة العبودية والخضوع لغير الله. ..قمة الإنسانية وقمة الوحشية. ..وكانت أيضا قمة الجمال والروعة. ..وقمة القبح والقذارة. ..فهذه زينب وبالرغم من عمق المأساة وشدة الألم والحزن لما أصابها. .وبالرغم من كل صور القتل والتقطيع. .وحرق الخيم والسبي ومطاردة الأطفال. .كانت تنظر إلي الوجه الجميل من المأساة. .تنظر إلي الجانب المشرق والمضيء من كربلاء. ..
(مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا)....
كان في كربلاء الحسين وزينب قمة الجمال والفضيلة ...وكان في كربلاء يزيد وابن زياد وعمر بن سعد قمة القبح والرذيلة..
كربلاء تقدست بدماء الحسين. . ( فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ )...
ويوم عاشوراء هو يوم مقدس تقدس باستشهاد رجال الله... (رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ)...
تخلد المرء وقفات وترفعه. ...إلى ذر المجد ساعات هي العمر.
ففي يوم عاشوراء يوم الحسين ...وفي كربلاء أرض الحسين ... هناك تتكثف الشعائر..شعائر الله
(ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ )....
ولكن هناك خطورة علينا أن ننتبه لها. .الخطورة في أن تتسلل أمور ومنكرات تتلبس بالشعائر. .وما هي من الشعائر. .ممارسات قبيحة نلبسها ثوبا جميلا لنخفي قبحها ثم نحشرها في جملة الشعائر الحسينية. .وكل الشعائر الالهية ومنها الشعائر الحسينية الغاية منها أن تعظم الإنسان وترفع من قيمته وتعلو بانسانيته. ..فالشعائر للتعظيم لا للتوهين. ..للعزة لا للذلة. .للسمو لا للدنو...فالشعائر صور تعبر عن الجمال. .كما رأه الحسين في استشهاده. .وكما رأته زينب في مصرع أخيها وفي مأساة اسرها. ..
فعلينا أن ننظر لكربلاء وشعارئها بعين الحسين وزينب... (مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلًا)...لا ننظر بعين يزيد وابن زياد وعمر بن سعد. ..الحسين وزينب. ..الحسين وزينب كانا ينشدان السلام والمحبة. .كانا يتوقان إلى رضى الله والإصلاح في الدين. .كانا يريدان أن ينهضا بثقافة العزة والكرامة في الأمة. . .وإن يقلعوا ثقافة الذل والخنوع...وهذا كله جمال ما أروعه من جمال. .وكلها صور تعبر عن جمال إيمانهم وروعة عقيدتهم. .الله جميل ويحب الجمال. ...في المقابل كان يزيد وأتباعه.. يريدون أن يكرسوا القبح في نفوس الناس. .الذل والمهانة. .القبول بالظلم والإستبداد. ..وتعلم ثقافة الخضوع لغير الله. .انهم جاءوا للقتل والسلب..جاءوا للعدوان وسفك الدماء...جاءوا ليزرعوا الخوف وينشروا الألم والمعاناة...وهذا كله قبح. .وكلها صور تعبر عن قبح نفوسهم. .فعند الحسين وزينب الجمال وعند يزيد وأتباعه القبح. .
فكل ممارسة بحق الحسين علينا ان نقف عندها وان لانسمح لها بان تكون حسينية وان لا نعطيها الكرامة بأن تكون من الشعائر الحسينية اذا مالم تعبر عن هذا الجمال الحسيني. .تعبر عن الجمال الذي رأه الحسين وعن الجمال الذي رأته زينب. .علينا أن لا ننظر إلى كربلاء والحسين بعيون يزيد وابن زياد وعمر والشمر..
فنحن عندما نرفض بعض الممارسات التي تمارس أيام محرم...إنما نرفضها لأنها في اعتقادنا لا تعبر عن جماليات الحسين وزينب وكربلاء. .ما كان الحسين يريد أن تسفك الدماء في كربلاء..لا دماءه ولا حتى دماء أعداءه. .كان الحسين يعرف حرمة الدماء. ..الحسين كان ممن يتلون القرآن حق تلاوته. .وهو من أولئك الذين يؤمنون به...
(الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَٰئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ)...
فالحسين ما كان يريد أن تسفك الدماء. .ولكن هذا ما كان يريده أعداء الحسين...كانوا يريدون القتل والدماء...
(وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ).....
فنحن عندما نرفض التطبير. .لا نريد بذلك أن نصادر حق الناس في التعبير عن حبهم للحسين. .ولسنا نشكك في نواياهم وصدق انتمائهم للحسين. ..إنما جاء هذا الرفض من أجل الحفاظ على جمال الحسين وجمال زينب وكربلاء...إنما هو للنظر إلى واقعة كربلاء بعيون حسينية وزينبية وعباسية. ..عيون رأت جمال الله في صنعه. .ورأته في ابتلاءه ومحنته. ..رأت جمال الله في الصبر...لأنهم يعرفون أن وراء الصبر جمال الهي لا حدود له..جمال تكشفة معية الله للصابرين. .
( إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ).....
.رات جمال الصبر الذي تتبعه صلوات من الله ورحمة. ...
(أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ)......
فالشعائر الحسينية ككل الشعائر الربانية هي عنوانين جمال والتطبير يفتقر إلى هذا المعنى الجمالي. ..والحسين يستحق منا أن نرتقي دائما بشعائرنا لكي نعبر عن جمال أهدافه. .وجمال إنسانيته. .وجمال عطاءه. .وجمال حبه للحرية والكرامة وجمال رفضه للذل والعبودية...فلا يكفي مع حسن النية. .بل علينا إن نجتهد في إختبار واختيار شعائرنا. .فهناك من يريد أن ينحرف بنا عن الحسين من خلال الشعائر المزيفة واللانسانية. ..يريدنا أن نشترك معه في قتل الحسين من خلال تشويه صورة الحسين في عيون الناس. .فليس كل ما نحسبه حسينيا هو بالفعل حسينيا..ليست رغباتنا هي من تحدد الشعائر الحسينية. .فالحسين تجلت فيه المثل الربانية وكل شعيرة لا تقوم بقيمة أو مثل رباني هي من المثل السوء. .هي شعيرة سيكون أول من يرفضها الحسين.. وهي شعيرة ليس لها مكان في دائرة الشعائر الحسينية. . (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى وهو العزيز الحكيم. ..).....
فالحسين في يوم العاشر. ..نادى هل من ناصر ينصرنا. .فنصرة الحسين اليوم مطلوبة ربما أشد من نصرته في كربلاء. .فكل العالم اليوم يسمع هذا النداء. .وكل العالم اليوم ينظرون إلى شيعة الحسين. ..كيف يحبون الحسين. .يريدون أن يعرفوا رسالة الحسين منا .والشعائر هي الطريق وهي الوسيلة لنصرة الحسين والتعبير عن رسالته. .فعلينا أن لا نكون من الاخسرين أعمالا. . الذين يحسبون انهم يحسنون صنعا.
( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا.. الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا )..
هنيئا لنا جميعا بالحسين. .وهنيئا لكم بدموعكم على الحسين..