بديل المنزل عند الشباب والمراهق ..

| نبض القلم | 2021/09/08

بديل المنزل عند الشباب والمراهقين..

مع انتشار حالات الاستراحات المستأجرة من قبل مجموعة من الشباب اليافع في مجتمعنا، بدأت التأثيرات تظهر للجميع بتحولها إلى ظاهرة وليست مجرد حالات طارئة أو محدودة.

من الطبيعي أن يأنس الشاب بالاجتماع مع أقرانه في (مكانهم) الخاص أكثر من استئناسه بقضاء وقته مع المختلفين معه عمريًا ولو كانوا أقرب الناس إليه نسبًا: والداه أو أشقائه، لأنّ ذلك ليس من خصوصيات مرحلة الشباب أو المراهقة فقط، فالأطفال ينسجمون مع الأطفال، والكبار مع الكبار، والخروج على هذه القاعدة شواذ لا يُقاس عليه.

فهذه الظاهرة بحد ذاتها ليست مشكلة تستدعي القلق، إنما تكون المسألة مُقلقة عندما تستهلك هذه الاجتماعات الشبابية جُلَّ وقت الشاب، فتؤثر على: حياته العائلية بالانقطاع عن أفراد أسرته إلا في الضرورات، وحياته الدراسية بالانشغال عن متابعة التزاماته في المدرسة أو الجامعة، وحياته الاجتماعية العامة بهجرانه لفعاليات قريته أو منطقته التي ينتمي إليها وتواصله العام مع الناس، وقد تصل التأثيرات السلبية إلى حياة الشاب الدينية من خلال استهلاك (حياة الاستراحات) في وسائل الترفيه إلى حد الإدمان والغفلة شبه التامة عن التوعية الدينية، وربما التهاون في الالتزام الديني بأداء الفرائض كالصلاة لصالح متابعة المباريات أو النقاشات المكرورة حولها أو غير ذلك، ولا ننسى التأثير السلبي على الحياة الأخلاقية والسلوكية لدى هؤلاء الشباب بفعل الاسترسال في العلاقات العفوية الخالية من الحواجز فيما بينهم مما يدفعهم لعدم الاستيحاش من استخدام بعض الألفاظ والتلمحيات أو التصريحات غير اللائقة فضلًا عن الاستسلام لعادات غير صحية كالتدخين والسهر المفرط وما إلى ذلك.

ولئلا نعطي انطباعًا بالمبالغة في تضخيم هذه الآثار*، فإنه من الضروري الانتباه إلى أن تلك الآثار مرهونة، بتوفر شروط، أهمها:

١. غياب رقابة عائلية ومجتمعية معقولة على  التجمعات الشبابية في هذه الاسترحات المؤجرة.

٢. استغراق الشاب غالبية وقته في الاستراحة دون ضوابط أو جدولة معقولة لأوقات المشاركة فيها بعدد الساعات في اليوم، وعدد الأيام في الأسبوع، توقيت الذهاب والعودة إليها ومنها.

ولا شك أنّ تجاوز هذه العقبات لن يكون سهلًا على أولياء الأمور ألا باتّباع الأساليب التربوية المؤثرة والتي تحفّز الشاب للاستجابة للنصيحة أولًا، وتكسبه الثقة في نفسه ووالديه بدرجة أكبر من ثقته في أي شخص غريب عنه ولو كان صديقًا أو مجموعة أصدقاء ثانيًا، وتجعله قادرًا على ضبط إيقاع حياته وبرنامجه اليومي بما يصنع منه إنسانًا صالحًا نافعًا لنفسه ولأسرته ولمجتمعه ثالثًا.

والمدخل الرئيسي الذي يستطيع منه الوالدان الدخول لنفس ابنهما المراهق واكتساب ثقته هو تجنّب إشعاره بالوصاية التسلطية؛ لأنه بذلك يلجأ، بحسب طبيعته الفطرية،   لمقاومة هذه الوصاية فيجد أن التمرد هو القرار الأنسب لشخصيته التي لم تعد في مرحلة الطفولة كما يراها الآخرون، وعليه فإن نزاعات أولياء الأمور مع أبنائهم المراهقين ناشئة بالدرجة الأولى من الرغبة في فرض القناعات، وهذا يستلزم من الآباء تغيير استراتيجية التواصل مع أبنائهم إذا أرادوا منهم التعاون الإيجابي في مجال تحديد نمط الحياة الصحيحة على المستوى الشخصي والعام.

أهم عنصر يمكن أن يعتمد عليه الوالدان في كسب ثقة ابنهم الشاب هو اقناعه نفسيًا وعقليًا وعمليًا بأنه شريكٌ معهما في صياغة مستقبله، وأنّ والديه يمثلان دليلًا إرشاديًا أمينًا لا أداة توجيه عن بعد لآلة مسلوبة الإرادة، ولا يكون ذلك إلا بالحوار، والانفتاح على آماله وتطلعاته، وعدم استسخاف طموحاته، وتقديم المساندة له لمواجهة تحدياته الشخصية، والاستعانة بطاقته النظرية (آرائه ومقترحاته) والعملية (جهوده ونشاطه البدني) في إدارة مملكة الأسرة (البيت) حتى يلمس بصماته الشخصية في العائلة ويخرج عن اعتقاد كونه عنصرًا مهملًا بلا أثر يُذكر.

إنّ تحويل اهتمام الشباب من الاستراحة إلى البيت لا يعني سلبهم حق الانتماء لمحيطهم الشبابي الذي ينسجمون معه، إنما يعني ضبط إيقاع حركة هذه الشريحة العزيزة من المجتمع بما لا يؤدي إلى خسارتها اجتماعيًا أو تحوّلها إلى طاقات مهملة تستنزف أجمل مراحلها العمرية في لهو مفرط، وتسيّبٍ غير محدود قد يمتد مع بعضهم إلى ما بعد مرحلة الشباب حين تكون لهم أسرة وأولاد لكنهم لا يزالون أسرى (حياة الاستراحات).

السيد منذر علي

اترك تعليقك

Plain text

  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
صورة التحقق
اعد كتابة الرموز الظاهرة في الصورة أعلاه.

التعليقات

اثنين, 13/09/2021 - 10:12م رد

مقاله جميله اعجبتني ..لانها لم تقدم مشكله وانما حلا لهذه المشكله ....طبعا لا اتمكن من ان اسال نفسي وانا في الاربعين من عمري ...اذا رجعت بذاكرتي ..هل اجد نفسي في وضع افضل من هؤلاء الشباب في مراهقتهم وهل كنت صاحب رأى وهدف في ذلك العمر ام كان يشغلني ما يشغلهم ..ولنا جميعا ان نتسائل نفس السؤال ..ونجيب عليه ونحاول في نفس الوقت ان نتذكر ما كنا نفكر فيه وكيف كانت ردود افعالنا لما يوجهنا اليه من هو اكبر منا سنا
حينها اعتقد اننا قد نستطيع ان ندير دفه الحوار انطلاقا من الوعي الذي كنا نملكه في ذلك الوقت وتاسيس الحوار معهم على هذا الاساس
اتمنى ان اكون واضحا
وعذرا على الاطاله

جهد طيب من السيد ابو عبدالله وارجوا له كل التوفيق

أربعاء, 08/09/2021 - 11:52م رد

أهم عنصر يمكن أن يعتمد عليه الوالدان في كسب ثقة ابنهم الشاب هو اقناعه نفسيًا وعقليًا وعمليًا بأنه شريكٌ معهما في صياغة مستقبله، وأنّ والديه يمثلان دليلًا إرشاديًا أمينًا لا أداة توجيه عن بعد لآلة مسلوبة الإرادة، ولا يكون ذلك إلا بالحوار، والانفتاح على آماله وتطلعاته، وعدم استسخاف طموحاته، وتقديم المساندة له لمواجهة تحدياته الشخصية

( جميل جداً)

أربعاء, 08/09/2021 - 9:17م رد

بالتوفيق ابو عبدالله
الله يوفقك الى الافضل

أربعاء, 08/09/2021 - 4:52م رد

مقال جدًا رائع سيد ابو عبد الله

نتفق معك في جميع النقاط التي ذكرتها كوننا شباب وعاصرنا المرحلة المعنية في هذا المقال ونؤكد على ضرورةتوجيه هذه الفئة العمرية وتوعيتهم بكيفية التعامل مع أقرانهم ومع الغرباء ، وبما أن الاستراحات هذه تعتبر مجلس مفتوح يرده ويدخل عليه الكثير من الواردين عليه فيجب على الآباء تجهيز الإبن بكيفية التعامل مع الآخر بالشكل الصحيح ورفض الخطأ مهما كان وذلك بتنمية المبادئ وتعليم وتلقين الشاب بالخطوط الحمراء لكي لا يسمح للآخرين بتعديها كائنًا من كان

حفظنا الله وإياكم وأحباءنا وأحباءكم