مكانة الإمام علي عليه السلام متألقة عبر التاريخ

مكانة الإمام علي عليه السلام متألقة عبر التاريخ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله الطيبين الطاهرين, رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري وأحلل عقدة من لساني يفقه قولي. اللهم اشغلنا بالعلم والعمل الصالح يا رب العالمين وصل الله على محمد وآله الطاهرين.
قال الله تعالى (( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا {1} وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا)) صدق الله العلي العظيم .

هذه الآيات المباركة من سورة الشمس التي أقسم الله فيها بإحدى عشر مظهر من مظاهر قدرته بما فيها نفس الإنسان تدل على أهمية التزكية إذا حققها المكلف بشروطها وأجزائها لأنها تكسبه مكانة عظيمه في الدنيا والآخرة وتحتاج إلى معرفة وموفقيه وتيقظ ومجاهدة للنفس من أجل تحصيل ملكة الورع والصبر على الطاعات واجتناب المعاصي ومراقبة الجوارح إضافةً إلى التدريبات والاختبارات المستمرة والشاقة والمضنية والتي يتعذر على الكثير اجتيازها.
 لذلك لا ينال هذه الدرجة إلا القليل من الناس ولكن مالا يدرك جله لا يترك كله.

معنى (الشمس وضحاها) أي الوقت الذي يهيمن فيه ضوء الشمس على أرجاء الأرض ويغمرها بالضياء حتى لا تبقى حجة غامضة يتعذر أن يتخللها الضوء ويظهرها للناظرين ومن معانيها أيضا الرسول الأكرم صلَ الله عليه وآله لما بينه للناس من الشريعة بحيث لم يترك لأحد حجة يتذرع بها. وأما معنى (القمر إذا تلاها) يطلق على القمر قمراً إذا اكتمل نوره خلال ليالي البيض وبذلك النور الهادئ يكشف للناظرين أصقاع المعمورة دون أن يلفح الناظر الهجير أو يسلبه سكون الليل وسباته.  ومن المعاني الأخرى للقمر هو الإمام علي عليه السلام وهو موضوع حديثنا لهذا اليوم وبالخصوص في مناسبة الغدير عيد الله الأكبر.

عندما ننظر إلى الطبيعة نجد الأشياء تنقسم إلى قسمين ثابت ومتحرك بل تجد الشيء الواحد تنقسم أجزاءه إلي ثابت ومتحرك مثل الشجرة مكونة من ثلاثة أجزاء رئيسية جذور وجذع وأوراق حيث تجد الجذور والجذع ثابتين أما الأوراق تتبدل حيث تنمو في الربيع وتتساقط في الخريف وكذلك الشريعة فهذه أصول الدين ثابتة أما الفروع فإنها تتغير ومن أمثلة تغير فروع الدين الصلاة حيث صلاة مسافر ومقيم وعاجز وخائف وبتيمم وبوضوء وغسل.

الإنسان لا يختلف عن هذه التقسيمات حيث تجد الناس يتألقون ويحضون بمكانة وجمال مرموق ثم ينحسر ذلك الجمال ويتلاشى وتسقط تلك المكانة وتذهب أدراج الرياح ولم تعد لهم تلك المكانة في مجتمعاتهم فعلى سبيل المثال الفيلسوف الإغريقي الذي برع في علم الطب والفلك والرياضيات إضافتا إلى البيولوجيات حاز على مرتبة عالية من التألق وبلغ الحد الذي قدسه العلماء وعبده الناس وأطلق عليه معلم البشر لقد فرض لنفسه مكانة بحيث لا يتجرأ حتى العلماء من أن يعرض رأي مخالف لآرائه فهذا ابن سيناء عندما يريد أن يطرح رأيه في مسألة مخالفة لرأي أرسطو يدرج رأيه في طيات أقوال أرسطو ومع ذلك هجاه ابن رشد وأنكر عليه ذلك ومع هذا التألق ذهب علمه ولم يعد له أهمية فقط يعرض كنبذة تاريخية عن تلك الحقبة الزمنية أو الموضوع .

وهناك أشخاص في الإسلام كانت لهم تلك المكانة الشامخة أمثال شيخ الطائفة الشيخ الطوسي رضوان الله عليه حيث ساد مجتمعه ودانت له الأمور حتى الفقهاء لم يجرؤ أحد منهم طرح مسائل مخالفة لرأيه واستمر ذلك بعد وفاته إلى ما يقارب المائة والخمسون سنة حتى انبرى ابن إدريس الحلي الذي قال نحن نجتهد في فقه أهل البيت وليس في اجتهاد الشيخ مع ما له من مكانة وتقدير وبذلك أعاد للمذهب حيويته الاجتهادية.  
هذا الشيخ العلم ترك آثار علمية نفيسة بقيت برهة من الزمن متألقة ولكن بعد ظهور أساطين العلماء أمثال ابن إدريس الحلي العلامة والمحقق الأول والثاني والشهيد الأول والثاني والشيخ الأعظم والسيد الخوئي رضوان الله عليهم أجمعين لم يبقي ذلك التألق على حاله بل انكمش وتراجع وهكذا البقية على الطريق.
كذلك دورات تفسير القرآن كانت في وقتها السابق عظيمة ولكنها بعد اتساع المعارف وتعددها لم تعد تصلح أن تكون مادة علميه يدرسها الطالب أو يرجع إليها الباحث ولكن القرآن بقي على حاله من الشموخ والرفعة.
كذلك هناك شخصيات خارج الإسلام احتلت مكانة علمية مهمة مثل الفيلسوف كونت الذي بعد تلك الريادة العلمية أصبح موضع سخرية بعد ارتحاله بفترة وجيزة.

وهناك أشخاص مكثت أحوالهم كما كانت بل تألقت مكانتهم أكثر مما كانت وعلى رأسهم الإمام علي عليه السلام فقد بقي كما الشمس صامدة تطلع على جميع الأجيال وتمدهم بأسباب الحياة بحيث لا يستغني عنها كائن وكل يوم تزداد الحاجة إليه ومن الظلم أن يقتصر ذكره المبارك على يوم الغدير أو يوم استشهاده أو مولده فنحن نحتاجه في كل ساعة يمدنا بتوجيهاته ويحفنا بتحذيراته المهمة حتى كأنه يعيش بيننا فهذا المستشرق الإنجليزي إدوارد بروان الذي درس تأثير الإسلام على إيران التي كانت تخوض حروب طاحنة دفاعاً عن رموزها وملوكها وقادتها وبعد ذلك اكتسحها الإسلام ومن أهم العوامل التي ساعدت المسلمين على ذلك الاكتساح شخصية الإمام علي عليه السلام ومن ضمن الألغاز التي حار في حلها ولادته عليه السلام قبل زمانه وهناك شواهد على ذلك منها صحبته للخوارج الذين حاربوه وكفروه ومنها مقارنته بمعاوية ومنها أنينه لعدم وجود من يحتمل العلوم المكنوزة في صدره من أجل أن يبثها إلى من يحتملها فلا يجد لها أرضاً مناسبة يبث فيها تلك البذور ويموت عليه السلام وهي في صدره.

وهذا الأديب جبران خليل جبران الذي هاجر إلى الولايات المتحدة وهو ابن اثنا عشرة سنة قال عن الإمام عليه السلام أنه هو الشخص الوحيد الذي حاكى الروح وكان يميز جانب الإمام علي عليه السلام خلال خطاباته على جانب المسيح عليه السلام مع أنه مسيحي المعتقد.

علينا أن ننهض بفكرنا وإيماننا ومداركنا من أجل أن نكون أرض مناسبة يمكن أن تنمو فيها بذور الإمام علي عليه السلام مما قد يخفف أنينه

 السلام عليه يوم ولد والسلام عليه يوم بويع والسلام عليه يوم استشهد والسلام عليه يوم يبعث حيا وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين.

اترك تعليقك

Plain text

  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
صورة التحقق
اعد كتابة الرموز الظاهرة في الصورة أعلاه.

التعليقات

أربعاء, 28/07/2021 - 7:02م رد

رحم الله روحك الطاهرة التي تركت لنا في كل موقف ومناسبة كلمة و توجيه ونصيحة

اللهم احشره مع محمد وآل محمد وحرم النار على قبره واجعله روضة من رياض جناك