زكاة الفطر...صدقة العيد

(زكاة الفطر...صدقة العيد)

 كل إنفاق هو صدقة....

 المقدمة الاولى: كثيرا ما نهتم بالجانب الفردي في تديننا ونغفل عن الجانب الاجتماعي وهو الأهم، فالمهم عندنا في الغالب هو براءة الذمة حتى لا يخدش ذلك ما أنا عليه من تدين أرجو فيه النجاة يوم القيامة. أما الجانب الاجتماعي في تديننا فهو في العادة غائب عن أذهاننا وتفكيرنا. فالدين عندنا هو مسألة فردية، فهو يهتم بكيفية ممارسة عبادتي لله. فمثلا الإنفاق الذي يحثنا عليه القرآن الكريم  لا ننظر إليه على أنه حق المجتمع والله يأمرنا بأداء هذه الحقوق...لا ننظر للأنفاق على أنه حق.

 (وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا)

فهؤلاء كلهم لهم حق...وكما تقول الآية الكريمة التي بعدها، فإن التبذير بهذا الحق يجعلنا مثل الشياطين وهذا يعني الكفر بالله...فعدم أداء الصدقة لهؤلاء هو نوع من أنواع الكفر. هل نستحضر هذا المعنى بصدقاتنا.

 المقدمة الثانية:  الفقه هو في الأساس يهتم بل شغله الشاغل أمور الدنيا، والدنيا حالها متبدل ومتغير وهكذا يجب أن تكون حال الكثير من الأمور الفقهية...

اولا نحن بحاجة إلى تحديد الامور التعبدية من غير التعبدية، فهناك أمور كثيرة بحاجة إلى فحص دقيق لنعرف أن كانت هي فعلا في نظر الشرع امور تعبدية ولا مجال لنا إلا العمل بها حتى وإن توقفنا عن الإحاطة بمقاصدها...ويبدو أن هذه الأمور التعبدية قليلة في مقابل الأمور الغير تعبدية، ولكننا نرى الأمور بشكل معاكس.

ثانيا...هناك مقاصد وغايات وهناك أدوات ووسائل لتحقيق هذه المقاصد والوصول لهذه الغايات. وكلما ثبتنا هذه المقاصد وحررنا الأدوات والوسائل استطعنا أن نجعل من الفقه نظام أكثر مرونة واقدر على الاستجابة لمتطلبات الحياة.

(في هذا الإطار يمكننا أن نقارب مسألة زكاة الفطر وما يثار كل سنة حول تحديدها وطريقة دفعها وكأنها مسألة في غاية التعقيد...)

أولا هي في الأساس صدقة يتعبد بها الإنسان وهو يحتفل بالعيد المبارك...

 (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ۖ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)

ودعونا نعود إلى زمن الرسالة ووقت ظهور الإسلام...

١- فالتمر كان هو ذهب تلك المرحلة الزمنية وهو رأس مال الناس، حتى أن المهر في الزواج في ذلك الزمان كان يقدم تمرا. فالتمر هو عملة ذلك الزمن.

بالإضافة إلى التمر تأتي بقية الغلات من حنطة وشعير وزبيب. وهذه هي التي كانت تشكل قوت الناس ومؤونتهم.

٢-صدقة او زكاة الفطر، هو أن يعطي الإنسان المسلم ما يقابل قوته او مؤونته إلى فقير  (يبقى السؤال هل هو قوته ليوم او لعدة أيام او قوته لشهر من هذه المادة)،  فإذا كانت هناك عائلة فعلى المعيل لهذه العائلة أن يتصدق بما يعادل مؤونته هو وعائلته الى عائلة فقيرة أو توزيعها على عدد من الفقراء. ولعل المتعارف في ذلك الزمن أن مؤونة الفرد من التمر لشهر واحد هو بحدود ثلاث كيلوغرامات.

ولعل المسألة ليست هذا ولا ذاك، فصدقة الفطر او زكاتها كانت بمقدار صاعا من التمر علما أن الصاع هو الوحدة المتداولة ذلك الوقت ، فاعتمدت هذه الوحدة وهي الصاع لتحديد كمية الصدقة المطلوبة ليس إلا وربما هي تمثل الحد الأدنى بمقدار هذه الصدقة.  

 ولكن السؤال المطروح هو، هل يعني أن التمر لازال هو القوت المتعارف عليه في هذا الزمن، وهل يبقى الحد المتعارف عليه وهو ثلاث كيلوغرامات هو الآخر صالحا لهذا الزمن.

أما مسألة نوع القوت فقد تم تجاوزها ولكن بطريقة غير مباشرة. فأنا اعطي الفقير صدقتي بثمن التمر او الحنطة او الرز وهو له الحق أن يشتري بها ما يشاء من لحم او دجاج.  فما عادت الغلات الأربع إلا عنواين ليس إلا.  وهنا يستوجب علينا العودة الى  مفهوم القوت  من أجل تحديد هذا المصطلح والإنفاق عليه ومن ثم الانطلاق منه.

وبعد ذلك نأتي إلى الكمية، فالمجتمع الإسلامي الأول اعتمد على وحدته المتعارف عليها في ذلك الوقت وهي الصاع واعتمد أيضا على حال المجتمع ومستواه الإقتصادي في ذلك الوقت.

 والسؤال هو لماذا هذا الإصرار على التمسك بنفس الكمية (ما يعادل الصاع) ونحن نعيش في مجتمعات مختلفة بالكامل عن تلك المجتمعات.  

فهل الثلاث كيلوغرامات ثابتة أم أن المسألة عرفية تخضع لعامل الزمن والمكان.

صدقة الفطر او زكاتها هي في الأساس تهدف إلى تذكر الفقراء يوم العيد وحث الناس على دفعها حتى يكون عند فقراء المجتمع ما يكفي من الطعام في هذه المناسبة الاجتماعية السعيدة. وما نراه من أحكام توجب دفعها قبل صلاة العيد هو حرص الدين على إشراك الفقراء في فرحة الناس بالعيد وبالتالي علينا أن لا نقدم هذه الأمور الشرعية بالشكل المخيف والمقلق للناس، وكأن الذي تخلف عن دفعها في وقتها قد أذنب او قد ارتكب معصية.  فالمسألة هي حث الناس على فعل هذا الخير في الوقت المناسب،  ولعل بعض الاعراف الإجتماعية قد تستوجب دفعها إلى الفقراء قبل العيد وقد يصرفها قبل العيد. وليس بالضرورة أن تكون حاجة الفقير في العيد محصورة فقط في الطعام وان كان هذا حال الناس في ذلك الزمان ولكن الأمور تتغير ويبقى المقصد هو الحرص بأن يتاح للفقير الفرصة للمشاركة في فرح هذا العيد.

ولا بأس من أن تحدد قيمة هذه الصدقة من أجل تنظيمها ولكن لابد من النظر إلى المسألة على أنها عرفية، وعلينا أن نحررها من مسألة الطعام فقط ونحررها أيضا من تحديد كميتها.

 الجميل في هذه الصدقة هو أن أعطي هذه الفقير ما يعادل قوتي في مدة العيد وبذلك يتاح للفقير او للعائلة الفقير الفرصة أن تأكل ما أكل وتلبس كما ألبس وتعيش كما يعيش أفراد المجتمع حتى تكون هناك مشاركة من الجميع في هذه الفرحة.

مجرد تأملات ليس إلا...

اترك تعليقك

Plain text

  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
صورة التحقق
اعد كتابة الرموز الظاهرة في الصورة أعلاه.