أنت الأول..

أنت الأول

‎في مرحلة الطفولة ... الكثير من المنعطفات والمحطات التي تصنع صاحبها ... تفجر فيه براكين لم يكن يعلم أنها قابعة في داخل روحه .. لكن هذا الطفل لن يتذكر من كل تلك المراحل ... إلا ما ترك أثراً فيها... خصوصاً ذلك الأثر الذي غير مسار حياته و جعله على ماهو عليه الآن .. 

‎في مخيلتي تمر أحداث ذلك الفتى الصغير الذي كان هو وزملائه يظنون أن قمة النجاح والتميز هو اجتياز المرحلة الدراسية الى المرحلة التي تليها فقط ... وأن الجهد المبذول قبل ليلة الاختبار كاف لنيل النجاح المنشود .. ولك أن تتخيل كم هو مقدار الجهد المبذول اذا علمت ان المدرسة كانت حينها تقوم على اختبار واحد فقط في نهاية العام الدراسي بأكمله.. ولك أيضا أن تتصور مقدار التحصيل الضئيل والنتيجة المتواصعة من ذلك الاختبار الوحيد الذي يقيم جهد عام دراسي كامل ...

‎في تلك الأيام ،،، كانت الكهرباء لم تصل بعد لقريتي الصغيرة ...
‎و أنهيت المرحلة الابتدائية بمعدل خمسين بالمائة..
‎وبعدها المرحلة المتوسطة بمعدل سبعين بالمائة... لم تكن الأرقام تهمني حينها .. ولم تكن تحمل أي معنى .. كان الأهم بالنسبة لي كما كان هو المهم لجميع التلاميذ من حولي وهو أنني نجحت واجتزت المرحلة  وانتقلت للتي تليها.. 
‎ولكن بعد عطلة صيفية طويلة بعد المرحلة المتوسطة نسيت فيها كل ما حصلت عليه من معلومات ..حينها بدأ الاستعداد للمرحلة الثانوية التي كان قلة قليلة يدرسونها فمعظمهم يكتفي بشهادة المتوسطة ويتوظف بها وبذلك تكون قد انتهت مسيرته التعليمية عند تلك النقطة..
‎في تلك الليلة بالذات وقبل بدء دراستي في تلك المرحلة لم تكن في مخيلتي صورة أخرى للمدرسة فأنا درست تسع سنوات في مراحل مختلفة ولكنها متشابهة في كل شئ وكأنني اكرر نفسي في كل تلك الأعوام ..

‎جاء اليوم الأول ... دخلت المدرسة.... كان هناك شخص ما يستقبل الجميع بترحيب شديد كانت ابتسامته ترحب بنا قبل كلماته.. بعدها عرفت أنه قائد المدرسة .. لم يكتف بذلك .. بل جمعنا في محاضرة ترحيبية وشرح لنا عن أهمية الدراسة وعن أهمية وضع الأهداف للطالب و أهمية الطموح... كان مخلصاً في عطاءه و
‎أخبرنا أنه سيعمل سبعة اختبارات مقسمة على فترات طوال العام استعدادا للاختبار النهائي وعلى الرغم من أن تلك الاختبارات السبعة لن يتم تقييمها بدرجات .. ألا إنه سيتم تكريم المتميزين بناءا عليها... بعد تلك المحاضرة  شئ ما في داخلي قد تغير و لكن طريقة دراستي لم تتغير ...
‎وبعد أول اختبار لنا قام قائد المدرسة بجمعنا مرة أخرى في نفس الساحة و كانت أغلب الوجوه تتسائل عن ماذا سيحدثنا هذه المرة...
‎وكانت هي اللحظة التي غيرت مجرى حياتي بالكامل ..
‎تم الإعلان عن قائمة باسماء الطلبة المتفوقين الأوائل لكل فصل ...!!!
‎وتم تكريمهم أمام الجميع ...
‎وبعدها قاموا بوضع الاسماء في لوحة الشرف وتعليقها في ساحة المدرسة
‎ولم يكن اسمي الصغير بينها...
‎  هذا الموقف جعلني أفكر بنفسي وأقرر أنه حان وقت التغيير ووضعت أهدافي أمام عيني وقررت أن أسعى إليها بكل ما أوتيت من جهد وقوة ..
‎رجعت إلى المنزل وفي عقلي تلك اللوحة ... وحلمي أن يكتب اسمي بداخلها ... 
‎فتحت الكتب حتى قبل أن اسأل عن الغداء وبدأت بخطوات متعثرة أبحث عن هدفي بين الأوراق .. كانت نظرات الاستغراب تعلو محيا عائلتي .. ماالذي حدث ولماذا تدرس بكل هذا الحماس والشغف..
‎ولكنني تركتهم مع تساؤلاتهم ... وبقيت مع كتبي وأوراقي أبحث عن ضالتي...
‎جاء الشهر الذي يليه وجاء الاجتماع الموعود...
‎وبدأ القائد يعلن الاسماء اسماً ... اسماً .. و جاء دور فصلنا... بحثت عن اسمي بين الأسماء و للأسف لم يكن بينهم في هذه المره ...
‎ذهبت لمعلمي.. لأساله كيف يمكنني أن أتفوق وأكون من الأوائل ... نظر الى أوراق اختباري وتلعثم ثم أخبرني .. أنت قريب جدا منهم .. ولكن عليك ان تجتهد اكثر وتغير طريقة دراستك ...
‎عدت الى المنزل بهدفي وبإصرار أقوى من المرة الماضية وولد لدي طموح كبير جدا وعزيمة شديدة وتحدي...
‎ بدأت أدرس وأدرس وحين غربت الشمس بحثت عن الفانوس لأنني لن أجعل الليل عائقاً أمام حلمي ..
‎وفعلا أكملت دراستي ... غيرت طريقتي .. نظمت أوراقي ... ورسمت أمامي حلم كبير وهو أن يكتب اسمي في لوحة الشرف ... ويتردد اسمي بين زملائي...

‎وجاء الاجتماع مرة أخرى ... وتحقق الحلم أخيرا .....اسمي كان مرسوما داخل اللوحة... لكن هدف القائد كان أكبر من حدود تلك اللوحة المعلقة في وسط المدرسة .. كان هدفه أن يرسم بداخل كل منا خرائط لمستقبل لم يولد بعد .. كان هدفه أسمى وأروع .. 

‎وجاء دور إعلان المتفوقين لفصلنا ... 
‎المركز الأول : محمد عبدالله ...
‎كان الاسم يرن في ارجاء المكان ... والكل ينظر نحوي باستغراب وأعينهم تحمل التهاني ...بقي صدى اسمي في المكان ورنين الصدى يرن في ارجاء كياني حتى هذه اللحظة...

‎لقد كانت تلك اللحظة فعلا هي من أجمل لحظات حياتي وذكرياتي تلك اللحظه التي غيرت في داخلي الكثير ... وغيرت خطتي التي رسمتها لمستقبلي... فهي اللحظه اللحظة التي تذوقت فيها لاول مرة حلاوة تحقيق الاهداف 
‎قررت أنني لن أكتف بدراستي الثانوية ولا الجامعية هكذا بدوت واثقاً ...وأنا أتحدث للقائد حين سألني ماذا تريد أن تعمل في المستقبل ...
‎أجبته ... أحلم بأن أكون طياراً أو معلماً ...
‎ومرت الأيام ورفيقي فانوسي والكتاب... كنت أرسم في مخيلتي كل ليلة حلماً آخر وهدفاً أكبر..
‎فبعد أن تخرجت من الجامعة ... لم أكتف من العلم والشهادة ... فلقد زرع ذلك القائد في داخلنا جميعاً شغف العلم والتميز 
‎أيا هل ترى كان يعلم أنه سيغير مسار حياتنا البسيطة ... بكلماته وإخلاصه وأسلوبه البسيط في التحفيز ...
‎ بعد المرحلة الجامعيه لم ينته طموحي و بدأت مسيرة الدراسات العليا.. ومن خطوة الى التي تليها حتى بفضل الله وصلت الى الدكتوراة والأستاذيه وحصلت على العديد من براءات الاختراع.. 
‎في كل لحظة أنجز فيها أقف.. وأتخيل أني سأكرم على يد ذلك القائد..
‎لم أكن حينها وحدي من تميز
‎فكل زملائي تفجرت في أعماقهم طاقات كامنة ...ذلك القائد الذي لن ينسى ..عرف كيف ينمي فينا الشغف للعلم والتميز و يزرع فينا الطموح والاصرار  وجعلنا نبني مستقبلنا بيدينا بكل نجاح...

‎كان ذلك القائد هو المنعطف الذي غير حياتي... بإيجابيته وإخلاصه وحبه لعمله..
‎ابحث دائما عن المنعطف الذي سيغير حياتك او حياة من حولك فقد يكون شخصاً.. أو موقفاً.... أو قرارا
‎...ولا تتردد أن تكون شخصاً مؤثراً ومحوراً مهماً ...
‎حتما  سيكتب اسمك في تاريخ أولئك الأشخاص الذين أثرت فيهم .. وغيرت طريقهم وساعدتهم ليجدوا ذواتهم.. 
‎سوف تكتب في ذاكرتهم وسيمجدون اسمك وسيذكرونك في كل يوم وفي كل لحظه نجاح في حياتهم...
‎سوف يبقى اسمك عالياً في سمائهم ... 
‎لذلك دائما 
‎(كن مؤثراً)

‎واختم بقول الشاعر 
كن مختلف
‎أنتَ الذي إن شئتَ 
‎حوّلتَ الخريفَ إلى ربيع 
‎فاعبر وواصل بالمسيرِ 
‎إلى طموحكَ.. لا تخف 
‎حتّى وإن شدّ التعب
مهما عثرت فلا تقف

اترك تعليقك

Plain text

  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
صورة التحقق
اعد كتابة الرموز الظاهرة في الصورة أعلاه.

التعليقات

أحد, 01/12/2019 - 5:11م رد

ذكريات تنبض بالحنين
اللحظة التي تغير مجرى حياتك تحدث متى ما اخترتها انت
و فقك الله ابو منصور و متعك بالصحة و العافية

أحد, 01/12/2019 - 3:36م رد

مسيرة رائعة أخي الحبيب ابو منصور....نعم التحدي هو من يصنع النجاح...والتميز
هنيئا لنا بك اخا وعزيزا...وربي يحفظك ويسلمك ويفتح لك طرق الخير بحق محمد وال محمد

أحد, 01/12/2019 - 1:43م رد

لنا الفخر والله بهذه الهامه العلميه المتألقه علمياً واخلاقياً وصرحاً في ادبه وتعامله مع الأخرين.

لك منا الف تحيه والف قبلةً على جبينك

أحد, 01/12/2019 - 11:35ص رد

كيف للفتى أن لا يفخر بأباه .. وهو الملهم والقدوة والصرح العلمي .. كيف لي أن لا أقف صارخة بكل فخر ( هذا الرجل العظيم هو أبي)
يارب ااحفظه وامدد في عمره بصحه وعافيه