أثر العلم في المجتمع (1)

أثر العلم في المجتمع
تأليف : برتراند راسل
( الجزئ الأول )
مراجعة و تلخيص : وليد الهاشم

يتناول الكتاب مجموعة من المحاضرات التي قدمها عالم الرياضيات و الفيلسوف الانجليزي برتراند راسل أمام طلبة الجامعة و يقدم مفاهيمه باسلوب بسيط دون إخلال بالعمق الفكري و الفلسفي لدور العلم في المجتمع . و عكس ما نتوقع عن الصورة الوردية لتأثير العلم الإيجابي ربما ننسى مخاطره و المعاناة التي اضافها لحياة الناس فنكون على دراية بأن العلم سلاح ذوي حدين و يركز المؤلف على ربط تأثيرات و تأثر العلم بكل من المجتمع و ثقافته و الفلسفة السياسية التي يعتمد عليها و في ما يتعلق بزمان تأليف الكتاب ( قبل أكثر من 60 عام ) نشاهد تركيزه على الصراع البارد بين فلسفتين سياسيتين هما الرأس مالية و الشيوعية و يتوسع في تأثيرات كل منهما و جذور نجاحه و فشله من النواحي النفسية و الاجتماعية على الفرد و ليس لنا أن نكتفي بنسخ ما قدمه لنا المؤلف بقدر ما نقوم بالاستفادة من براعته في تحديد الافكار في ثالوث ممتنع هو البساطة و الوضوح و العمق في التأثير لنرى كم من المعطيات نواجه في مسارنا .

* العلم و التقاليد
يسير بنا المؤلف في رحلة سريعة عن تاريخ تغلغل الخرافة في فكر المجتمع بما في ذلك الملوك و الفنانين و العلماء أيضاً بأشكال متنوعة من السحر أو المعتقدات ثم يعرض كيف بدأ الابتعاد عن الخرافة تدريجيا موردا مثال لأحد الملوك في القرن الخامس عشر عندما دعم أحد الاطباء لتشريح الجثث بغرض معرفة سبب المرض لكونه يثق بالطبيب و كثير الامراض و رغم معارضة الكنيسة الا أنه استمر محققا انجازات مهمة حتى توفي الملك و فرضت الكنيسة على العالم الحج لبيت المقدس تكفيرا عن خطاياه فهبت عاصفة و غرقت السفينة في الطريق !

ثم يشير الى أربع عناصر في علاقة العلم بالتقاليد
1- احلال الملاحظة محل الثقافة و هو أمر صعب جدا
حيث تتراجع أهمية النصوص الثقافية مقارنة بالشواهد المبنية على الملاحظة
2- استقلالية العالم الطبيعي
3- خلع الغاية عن عرشها : حيث تقلصت سيطرة الفكرة القائلة بأن كل شيء مقصود لغاية
4- تغير موقف الانسان من الكون فلم يعد مركزا له

* النتائج العلمية و التقنية
- يشير لمثالين مهمين عن تطور التقنية تاريخيا و كيف تغير العالم بهما و هما البارود للحرب و البوصلة للملاحة و كيف سار التوسع السياسي و الاستعماري بهاتين التقنيتين فالبارود قوى الجيش و مكنه أكثر اما البوصلة ادت لاكتشاف رأس الرجاء الصالح.
- دخول الآلة خط الانتاج في الصناعة و تهديد الوظائف و دخول تحديات جديدة قادت للبؤس بنفس الوقت الذي حسنت فيه الحياة.
- التلجرام و سرعة الاتصال و تضاؤل دور السفراء للدول بسبب التواصل السريع عن السابق لسهول الرجوع للمراكز لاتخاذ القرار و كذلك تأثير ذلك على ملاحقة المجرمين و المطلوبين للعدالة و سهولة القبض عليهم .

* التقنية في الحكم الاوليغاريكي
يقصدبالحكم الاوليغاريكي الذي يقوم على استئثار قلة من الناس بالسيطرة على حكم الأغلبية و هذا النوع من الحكم موجود تاريخيا منذ القدم إلا أن العلم وسع من قوته و قدراته بشكل غير مسبوق لم يتح له من قبل كما أن هذا النوع من الحكم يقوم على عقيدة تبرر وجوده و يعتبر التشكيك فيها تشكيك في شرعية النظام.

-  يسرد المؤلف سيناروهات مستقبلية ( حسب نظرته في حين تأليف الكتاب ) لاستخدام المستأثرين بالسلطة علم الأحياء و علم النفس في تقسيم المجتمع و تحويله الى مجتمع مسخر مطواع بحيث تكون فرصة الثورة أمر شبه مستحيل يشبه ثورة الخراف على الراعي!

- يحدد في حديثه أن الأنظمة المماثلة المتبنية للعلم تواجه معضلات تهدد وجودها كالتالي
1- ضعف البحث العلمي على المدى الطويل بسبب ان البحث العلمي يحتاج اجواء من الحرية .
2- ستكون الفرصة للدول الديموقراطية أكبر في النمو العلمي و ستتمكن من تهديدها و القضاء عليها
3- أن الخلل في الأنظمة المستأثرة بالسلطة أصيل في بنيتها عبر قتل الناجحين فيها خوفا من تنافسهم على السلطة مستشهدا بعقدة قتل جنرالات روما حيث يخشى الامبراطور من طموح أي جنرال ناجح و يتخلص منه !.

* الديموقراطية و التقنية العلمية
يقرن الكثيرون الديموقراطية بالحرية و لكن المؤلف يقول بأنه يفضل استخدام كلمة فرصة للمبادرة مقارنة بالحرية التي ليست متحققة فعليا .
- دخول التقنية العلمية في المجتمع هددت مصالح و وظائف الناس و زادت معاناتهم
- يستعرض عن تاريخ طويل من صراع النقابات و الحركات العمالية قانونيا للوصول الى العدالة .
- أن ما حدث هو اعادة توزيع القوى المتحكمة بالمجتمع و ليس القضاء على الفكرة بحد ذاتها .

* و يرى المؤلف بأن الفلسفات السياسية قسمت النظرة للانسان الى ثلاث وجهات
1- فرد عادي ( الديموقراطية القديمة )
2- بطل ( الفاشية )
3- جزئ من ماكينة ( الشيوعية ) 
و تحدي الديموقراطية الحديثة هو الاستفادة من بقية الخيارات و التقليل من خطر التوسع في الخيار الثالث ( يقصد بذلك ذوبان الفرد في كيانات أكبر كالدولة أو الشركات التي يعمل بها ) لأن ذلك حسب وصفه سيحول السلطة السياسية الى غاية بحد ذاتها بدلا من كونها مجرد وسيلة و هذة ستكون صورة اخرى للوثنية أكثر خطورة

* يرى الكاتب أن العمل الفكري و الفني ينجح اذا تحمل الكاتب تبعات الجوع و تمكن من النجاة ليقدم لنا انجازة مستشهدا بتصفية سقراط بعد أن انجز مهمته و حكم عليه بالاعدام و ان ذلك لا يضر و لكن الضرر عندما نعرقل عمل المفكر و قبل اكتماله حتى و لو بالتكريم للوقوف مع النظام ذلك أن المجتمع مرهون بوجود مجموعة من المتمردين الذين أصبح عملهم في عصر العلم أكثر صعوبة .
 • يذكر الكاتب أن حماسنا للديموقراطية قل بسبب اختفاء المشاكل التي عالجتها فعلا 

- الولاء و الكفاءة في الوظائف العلمية اذا أن من اشتراطات الدخول للبرنامج النووي الامريكي أن يكون العالم له رأي سياسي قويم بينما في الاتحاد السوفيتي فالرأي القويم مطلب أساسي في كل شي حتى لو كان مبني على جهل ستالين ( كان ستالين يعتقد بخرافات علمية فرضها كحقائق مما ادى لعرقلة البحث العلمي خصوصا لم يرفض تلك الافكار)

- يؤكد المؤلف على ان السلطة لها دور أقل على الفن و ينصح الفنان أن يجد له عملا يضمن استقلاليته و أن علينا ان ننتظر طويلا لنختبر انتاج الفنان و نحاكمه و ليس من العملي متابعة أعمالهم و فرض قيود عليها

يتبع الجزء الثاني بإذن الله..

الفيلسوف برتراند راسل (Bertrand Russell)

اترك تعليقك

Plain text

  • تتحول مسارات مواقع وب و عناوين البريد الإلكتروني إلى روابط آليا.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
صورة التحقق
اعد كتابة الرموز الظاهرة في الصورة أعلاه.

التعليقات

اثنين, 16/09/2019 - 1:08ص رد

كل الشكر و الامتنان للسيد وليد على هذا الجهد و العمل الجميل و نتطلع منه إلى المزيد في نبض القلم أو من خلال كتاباته الشخصية

خالص الشكر

أحد, 15/09/2019 - 12:34م رد

خطوة جباره يشكر من قام عليها